“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
بسمع دايمًا عن الوحدة وأوقات بشارك الناس لما بيتكلموا في المعاناة بسببها بس الحقيقة وعشان أكون صريحة أنا مش بحس بالوحدة أبدًا! عمري ما ادايقت أو عانيت لما اقعد لوحدي ولو القعده طولت ولو كان الكل مشغول ولو مكانش في ولا صديق واحد قادرة أخرج أو أتكلم معاه ، انا متعايشة ومتصالحة جدًا مع نفسي . وازاي أحس بالزهق طول ما في أماكن زي الخان أمشي فيها واقعد على قهاويها وأشترى ما لذ وطاب من البخور والإكسسوار والشنط ، باااس بينا على خان الخليلي! الجو كان حلو أوي، مثالي لا هو برد ولا دخلنا لسه في الحر، الكل في أشغاله ، الدنيا رايقه ، وكأن الحسين والخان ليا أنا وبس. أخدت الطريق المعتاد ، من الحسين للمعز، اشتريت حبة حاجات لحد ما قربت أفلس وكنت بدأت اتعب وخلاص هنقي قهوة أو مطعم من المطاعم اللي عادة بقعد فيها لولا إن في حاجة كده لفتت إنتباهي قدام سبيل سليمان اغا السلحدار، مش عارفه ليه وقفت قدام الورق المفروش على الأرض ، الورق كان أصفر وباهت وشكله بائس أوي، قدامه قعد ولد لابس جلبيه مقطعة لونها أظن في الأصل كان أبيض لكنها بهتت مع الزمن وبقت صفره شبه لون الورق المفروش قدامه ، واضح أن الورق كان للبيع زي الجرايد القديمة مثلًا بس الولد مكنش بيعمل أي مجهود عشان يبيعهم ، مكنش باصص أصلًا لحد ، عينه وراسه كانت على رجليه المربعة طول الوقت لدرجة إني حسيت أنه ممكن يكون نايم. فضلت واقفه مكاني متسمرة قدامه وقدام الورق الغريب ، مكنتش عارفه أتحرك! فضول، فضول رهيب شدني للورق المهترىء ده …
-هتاخديه ولا ايه؟
إيه ده؟ هو بيكلمني أنا؟ إزاي عرف بوجودي؟ إزاي حس بيا؟
-اه هاخده!
لقيتني بقول له كده بتحمس ومن غير تفكير، انا لحد لحظات فاتت مكنتش قررت، مجرد كنت بتفرج، إيه اللي خلاني اندفع واقرر كده؟ معرفش.
-بكام؟
-5 جنيه وعيون توعى للسبيل جواه!
جسمي قشعر من جملته! قصده ايه من الكلام ده؟! ولحد ساعتها مرفعش راسه يبصلي.
-طيب ماشي، اتفضل!
وقتها بس رفع راسه ، مد ايده واخد الفلوس وبصلي ف وشي، لأ جوه عيني، بصلي جوه عيني، معرفش ليه حسيت أنه مرفعش راسه عشان ياخد الفلوس، ده كان عذر عشان يبص ليا، في حاجة كانت مختلفة ف عينيه، كانت حمرة بزيادة حوالين بؤبؤ العين ، كأنه مجهد جدًا، معقول في حد يعذب طفل زي ده سنه ميتعداش ال13 سنة ويشغله لحد ما يبان عليه التعب بالمنظر ده؟ وانا مالي ، هحل يعني مشاكل الكون، المهم اخد الورق، انا عايزه الورق ده!
روحت بالحاجات اللي اشتريتها وكنت فرحانه بيها أوي، كوليكشن البخور كان جديدومميز جدًا والشنط تجنن وكل حاجة تانية…
عدت أيام بعدها محصلش فيها أي جديد يُذكر وف يوم قررت أعزم جارتي على كوباية شاي وحاجة حلوة، أهو نقعد نرغي شوية، بقالنا كتير مقعدناش مع بعض وبالمرة اشاركها الخبر السعيد، إني أخيرًا قدرت أجمع مبلغ المقدم للشقة الجديدة في المكان اللي بحلم بيه ، كلمتها وجتلي علطول…
مقدرتش أستنى ، اتحمست جدًا وقلتلها على الخبر أول ما شفتها وبعدين وصلتها للصالة وسبتها عشان اعمل حاجة نشربها.. دخلت المطبخ وجاتلي مكالمة طويلة، سرحت عن الضيفة، وأخيرًا خرجتلها بعد شوية وقت، بس…. ملقتهاش قعده مكانها ، كانت جايه من الطرقه اللي آخرها أوضتي وأوضة المكتب والحمام.
أول ما شافتني قالت بسرعة إنها كانت في الحمام، انا استغربت ، هي مش محتاجة تقول لي، طبيعي تكون جايه من الحمام امال هتكون كانت فين…
اخدنا قعدتنا وبعدين استأذنت هي وروحت بيتها….
عدى كام يوم تانيين وجه معاد تسليم الدفعة الأولى من شقة الأحلام، قمت بدري بمنتهى الحماس، فطرت ولبست هدومي وإستنيت الست اللي بتنضف البيت ، فتحتلها وإستعديت للنزول، مفضلش غير الظرف اللي في الفلوس، فتحت الدولاب ومديت إيدي عشان اخده، بس ملقتوش! الظرف مش موجود مكانه! يعني إيه؟ إزاي مش موجود مكانه، الظرف فين، فلوسي فين؟؟
-يا منى!!
الست إتخضت من زعيقي وجت بسرعة، سألتها عن الظرف اللي في الدولاب.
-ظرف إيه؟ حضرتك مش بتخليني أجي جنب الدولاب ده بالذات ، قفلاه دايمًا ومفتاحه معاكي!
صح، هي صح، هي هتعرف منين الظرف فين، ولا تعرف أصلًا بوجوده.
لقيتني فجأة بتلفت ليها وبسألها عن حاجة تانية خالص، “الورق”! الورق الأصفر البهتان، إوعي تكوني رميتيه وإنتي بتنضفي!”
نا كنت نسيته تمامًا ، مش عارفه ايه اللي فكرني بيه وبقيت عايزه الاقيه بأي شكل!….
قالتلي إنها جمعته وحطته في درج من أدراج المكتب، جريت على المكتب وفتحت الدرج….
طلعت كل الورق، اللي طلعوا مترقمين، حطيت الورقة جنب الورقة بالترتيب، طلعوا 12 ورقة بالظبط ، مكتوب ف أول ورقة بحروف متفرقة “ن ف سٌ ب ر ي ئ ة و م ا ءٌ ص ا فِ و أ ح ر ف م ن ن ا ر و ن و ر”
” نَفْسٌ بَرِيئةُ وَمَاءٌ صَافٍ وَأَحْرُفٌ مِنْ نَارٍ وَنُورٍ!”
يعني ايه؟ اجيب النفس البريئة منين؟ ممكن اجيب الميه مقدور عليها ، بس الباقي….انا مش فاهمه حاجة!
“5 جنيه وعيون توعى للسبيل جواه!”
السبيل جواه، السبيل جواه! في حاجة أكدتلي إني هلاقي الفلوس عن طريق الورق ده، الورق ده مميز ، الورق ده…سحر!
سحر سحر مش مهم، المهم الاقي شقى عمري!
اضمن منين نقاء وبراءة نفس؟؟ طفل لازم يكون طفل، طفل هو اللي هيقرا الطلاسم اللي في الورق على ميه صافية.. هو مفيش غيره، “عز” الطفل اللي عايش مع جدته في الدور العاشر، انا كنت بعدي عليهم أوقات كتير أقعد معاهم واخده عندي أوقات تانية، ااكله واتفرج معاه على كرتون، جدته بتثق فيا ، انا هروح اخده! فعلًا طلعت عند جارتي واستأذنتها اخده شوية وقت، محستش بأي حاجة ، ملاحظتش قد ايه كنت متوترة مع إن إيدي كانت بتترعش…
“عز يا حبيبي قبل ما نتفرج على التلفزيون عايزه منك حاجة صغيرة، عايزاك تقرا اللي في الورق ده”
جبت المايه في اناء إزاز ووقفت الولد قدام الورق، فضل يقرا ويقرا لحد ما الورق خلص، الحروف كانت كلها متفرقة فكان بيقرا بصعوبة، كل الكلام مش مفهوم وتحت الكلام كان في حروف مش عربي زي ما يكون نقش فراخ، مظنش هيبقى في أي نتيجة للتهريج ده، ده مجرد أي كلام، كنت متأكده، بس اليأس بقى…
فجأة خفت، برغم إني عارفه أن كل ده أي كلام خفت، حطيت إيدي على كتف الولد وقلتله يلا نمشي، خلاص… لقيته واقف متنح، سرحان مش راضي يتحرك…
“من 3 أيام جاتلك سلمى”
حسيت ببرد جري ف كل جسمي ورديت
“ايوه”
“فتحتيلها ودخلتيها الصالة ودخلتي المطبخ تعملي حاجة تشربوها”
“مظبوط”
“جالك تليفون وغبتي عنها”
“اه”
“خرجتي لقيتيها طالعة من الطرقة ، قالتلك إنها جايه من الحمام وكانت متوتره”
انا مخدتش بالي وقتها إنها كانت متوترة بس بعد ما رجعت بالذاكرة لقيت إنها بسرعة وضحت إنها جايه من الحمام أول ما شافتني وكانت….متوترة.
“ده عشان هي مجاتش من الحمام، هي جت من الأوضة اللي فيها الدولاب اللي جواه الظرف! انتي يوميها فتحتي الدولاب وسبتيه وهي جات اخدته لأنك عرفتيها إن معاكي مبلغ مقدم الشقة”
الدم غلي في عروقي، عمري ما حسيت بالغضب ده، معقول بعد العشرة دي والأمان اللي كنت مدياه ليها، ده انا كنت فاتحالها بيتي سبيل! هو ايه اللي حصل في الدنيا؟ واللي زود من غضبي إني لما كلمتها وراجعت معاها اليوم من غير ما احسسها إني عرفت أنها سرقت بكل بجاحة قالت نفس اللي قالته وهي عندي، لما غبت عنها دخلت الحمام وخرجت ف نفس وقت خروجي من المطبخ.. طيب!
هي عمرها طبعًا ما هتديني الفلوس لو واجهتها ، مش بعيد تكون شالتها في مكان غير شقتها، ولا هتيجي بالمحايلة ولا لوي الدراع، الفلوس دي مش هترجع، وانا مش هعديها برده، البني آدمه دي مستتحقش تعيش! اللي يخون العشرة بالشكل ده إنسان وضيع وممكن يعمل أي حاجة، انا لازم مسيبهاش تتهنى بفلوسي، أنا هقتلها!
الصبح الحركة بتبقى خفيفة في العماره، العيال في مدارسهم والكبار ف شغلهم وهي هتبقى لوحدها في الشقة، جوزها هيكون في الشغل، قررت أروح وأعمل اللي أصريت عليه..
سهرت في الصالة ونمت قدام التليفزيون، فضلت أتقلب على الكنبه كأن في جمر تحتي من كتر الغيظ والغضب اللي جوايا بس في حاجة فوقتني….حسيت بحاجة حادة، زي طرف ورقة…. قمت وعلى الضوء الخافت لمحت الظرف تحتي! كان وقع ورا مخدة الكنبه… يا خبر! يا خبر!
افتكرت! اليوم اللي جارتي جت فيه الصبح، فتحت الدولاب وطلعت الظرف وخرجت بيه الصالة، عديت الفلوس اللي فيه وزودت عليه شوية وبعدين سرحت ف مكالمة وسبته على الكنبه واتهيألي إني رجعته الدولاب وقفلت عليه، انا مرجعتوش، انا نسيته هنا!
بس المشهد! المشهد اللي اتحكالي، الولد شاف بالظبط اللي حصل، قال لي على كل حاجة، هو فعلا قال تقريبًا كل حاجة وزود من عنده إن جارتي هي اللي سرقت وهي ملهاش علاقة، مكانش الولد، اللي قال مكانش الولد، اللي وصف المشهد وكان عايزني أقتلها…. الورق اللي على الأرض…الطفل اللي عيونه حمره…. عيون توعى للسبيل جواه….
انا كنت هقتل ولجأت للسحر اللي ربنا حرمه وقال إنه شرك بيه وخدعت ست كبيرة واخدت حفيدها يقرا طلاسم….
“شفت راجل عجوز بدقن طويلة جه اخدني ودخلني شقتك، انا وهو كنا وراكي وانتي بتستقبلي الجاره ولما دخلتيها سبيتيها وروحتي المطبخ ، انتوا مكنتوش شايفننا بس إحنا كنا هناك وبعدين مسك ايدي ومشينا ورا الجاره لما قامت ومشيت في الطرقة، دخلت جوه الأوضة ودخلنا وراها وفتحت الدولاب أخدت الظرف بس انا اخدت بالي أن في واحده شبهها دخلت الحمام وحسيت أن اللي في الأوضه مش هي جارتك وكأن ده مش حقيقي لكن العجوز ضغط على ايدي وامرني أقول انها اخدت الظرف وبعدين روحنا شارع قديم كنتي ماشية فيه ووقفتي قدام ورق أصفر مفروش على الأرض كنتي بتكلمي نفسك ، مكانش في حد قدامك، مديتي إيدك بفلوس للهوا والفلوس وقعت منك ولميتي الورق ومشيتي، انا خايف، الراجل العجوز بيجيلي ، انا بشوفه في طابور المدرسة كل يوم…..”
ملحوظة: “لا يجب ولا حتى من باب الفضول الإستماع أو الاقتراب إلى العرافين في صورة اشخاص أو أوراق… لا ملجأ من قدر الله إلا إلى الدعاء، لا ملجأ من الله إلا اليه”
ياسمين رحمي